من تنظيم المجموعة الكونفدرالية بمجلس المستشارين. جامعيون ومتخصصون يناقشون مشروع قانون المالية وسؤال الدولة الاجتماعية

نجحت مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين في اخراج مشروع قانون المالية لسنة 2024 من الرفوف والزوايا الضيقة إلى نقاش عمومي، من خلال تنظيمها يوما دراسيا حول موضوع: مشروع قانون المالية لسنة 2024 وسؤال الدولة الاجتماعية، يوم الأربعاء 15 نونبر 2023 بقاعة الندوات بالغرفة الثانية، عرفت فعالياتها مشاركة أكاديميين وباحثين مختصين في الدراسات الاقتصادية والمالية والعلوم السياسية والقانون الدستوري، كما تميزت بحضور وازن للأعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل والنقابات الوطنية ومستشارين برلمانيين ومثقفين ورجال اعلام.

تمام الساعة الثالثة من بعد الزوال، انطلقت أشغال اليوم الدراسي الذي سير فعالياته منسق المجموعة الكونفدرالية المستشار البرلماني خليهن الكرش، بكلمة المكتب التنفيذي قدمها نائب الكاتب العام بوشتى بوخالفة، أبرز فيها السياق الدولي التي ينعقد فيها اليوم الدراسي المطبوع بما تعيشه القضية الفلسطينية من تطورات جراء العدوان الصهيوني الغاشم المدعوم من القوى الامبريالية الغربية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما توقف المسؤول النقابي المركزي، عند السياق الوطني مسجلا استمرار موجة الغلاء وضرب القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة، وانحباس الحوار الاجتماعي، ومحاولة إفراغه من مضمونه التفاوضي واستمرار تنصل الحكومة من التزاماتها وتعاقداتها المتضمنة في اتفق 30 أبريل 2022 وميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي، بالإضافة يقول بوخالفة “إلى تصاعد الهجوم على الحريات النقابية والحريات العامة وقمع كل أشكال الاحتجاج وضرب الحق في التنظيم”.

وشدد نائب الكاتب العام في كلمة المكتب التنفيذي على أن الدولة الاجتماعية هي الدولة القوية اجتماعيا عبر الخدمات العمومية والاستثمار في القطاعات الاجتماعية والضامنة للأمن الاجتماعي والغذائي والطاقي وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة مواطنيها.

من جانبها، أكدت كلمة مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين في اليوم الدراسي التي ألقاها المستشار البرلماني لحسن نازهي، أن المجموعة الكونفدرالية دأبت على مواكبة مهامها البرلمانية بتنظيم لقاءات دراسية و ندوات علمية من اجل مقاربة جميع القضايا الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية المطروحة على المجتمع و ذلك للرفع من قدراتها الترافعية لتجويد التشريع و ممارسة مهامها الرقابية.

وأوضحت الكلمة، أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 موضوع مناقشة هذا اليوم الدراسي، يشكل محطة هامة تمكن من الوقوف من جهة، على مدى وفاء الحكومة بالتزماتها ووعودها العشر الواردة في البرنامج الحكومي الذي يشكل تعاقدا مع المواطنات والمواطنين، مبرزة أن واقع الحال يبين ان الحكومة اخلفت وعودها، من خلال اخفاقها على سبيل المثال لا الحصر، في تحقيق معدل نمو بنسبة 4 % خلال مدة الولاية وخلق مليون منصب شغل صافي، وتقييم من جهة أخرى، الاختيارات التي تعتمدها، من أنه يشكل موازاة بذلك، يقول البرلماني نازهي، “مناسبة لمسائلتها حول السياسات العمومية وبسط مختلف الآراء و المواقف حول السياسة الاجتماعية و الاقتصادية المتبعة من طرفها”.

وأبرزت كلمة المجموعة الكونفدرالية، أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 الذي اعتمد كسابقيه بصفة أساسية على المداخيل الضريبية لتمويل الميزانية يمثل تناقضا ما بين اعلان الحكومة عن تعزيز أسس الدولة الاجتماعية و تمرير إجراءات لا شعبية، علاوة على كونه أنه قد أُعدَّ تقول “خارج كل مقاربة تشاركية على إثر انحباس الحوار الاجتماعي ومحاولة إفراغه من مضمونه التفاوضي واستمرار تملص الحكومة من التزماتها وتعاقداتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022 خاصة تحسين الدخل، و النموذج الصارخ عن اعتماد هذه المنهجية هو ما تعرفه الساحة التعليمية من احتقان”.

الرهج: وهم الاصلاح الضريبي على القيمة المضافة في مشروع قانون المالية

في مداخلته التي قدمها تحت عنوان: “مشروع القانون المالي 2024 ووهم الاصلاح الضريبي: نموذج الضريبة على القيمة المضافة”، وقف الدكتور محمد الرهج، الخبير في المالية العمومية عند اشكالية المنهجية المرتبطة بإصلاح شامل كما عاش عليها المغرب في ثمانينيات القرن الماضي، لأنه لم يتم تقديم مشروع الاصلاح الضريبي عبر القوانين المالية، بل تم تقديمها في البداية يقول “عبر قانون اطار” والذي استغرق يضيف “أربعة سنوات”، لأن المغرب حسب قوله لم يكن متحمسا للإصلاح الضريبي ولكن لأن بلادنا كانت سنة 1979 في حالة عدم سداد كامل لديونه، فإنه كان مضطرا للحصول على أموال جديدة، ولم يكن له من خيار يقول الرئيس السابق لجامعة الحسن الأول بسطات غير اللجوء لصندوق النقد الدولي، هذا الأخير، اشترط بطبيعة الحال يقول الدكتور الرهج “مجموعة من الاصلاحات على مستوى اقتصادنا لمنح الدين”، ومن هذه الاصلاحات، اصلاح النظام الضريبي.

واعتبر الأستاذ الرهج في سياق مقاربته التحليلية، أن اصلاح النظام الضريبي لم يتم تقديمه عبر القوانين المالية، وأنه تم افراغه منذ ثمانينيات القرن الماضي عن طريق مجموعة من التعديلات التي يتم ادخالها عبر ما اصطلح على تسميته بـ”المسكنات” عبر القوانين المالية.

ولم يستبعد الخبير المالي في عرضه، أنه كانت هناك منهجية أخرى تم اعتمادها في مشروع قانون المالية فيما بتعلق بالإصلاح الضريبي واعتبرها من منظوره، أنها “تكنوقراطية محضة” تم اعتمادها على مستوى الادارة العامة للضرائب والميزانية العامة، وتمت ودون استشارة السلطة التنفيذية وذلك من اعتبار أن الحكومة حكومة سياسية ومنبثقة من أغلبية برلمانية، اصلاح اعتبره الأستاذ ارهج يتعارض خطاب مع مفهوم الدولة الاجتماعية لأنه جاء يقول “على حساب الطرف السهل، وهو الاستهلاك الواسع لكل الأسر والعائلات”.

وخلص الأستاذ الرهج في قراءته التحليلية للإصلاح الضريبي في مشروع القانون المالي 2024، على الضريبة على القيمة المضافة، أن ليس تمة اصلاحا حقيقيا لهذا النظام، ووضع في هذا السياق سؤالا كبيرا يتعلق بالأسباب الكامنة وراء غياب أو تغييب الضريبة على “الثروة”.

محمد جدري: إن الاجراءات التي تعتمدها الحكومة لتجاوز اكراهات وأعطاب التنمية كانت جميعها متناقضة

قال محمد جدري مدير مرصد عمل الحكومة، في مداخلته حول موضوع: “أسس الدولة الاجتماعية: التحديات والاكراهات”، “إن مشروع القانون المالي لسنة 2024 يأتي في سياق دولي واقليمي ووطني مختلف” لأنه يضيف “عندنا مجموعة من التحديات والاكراهات التي يجب أخذها بعين الاعتبار”.

واعتبر الخبير في المجال الاقتصادي والمالي أنه بدون حل ثلاث اشكاليات وصفها بـ”الأساسية” لا يمكن الحديث عن مجتمع جديد ولا مضاعفة الناتج الداخلي الخام ولا خلق الثروة ولا خلق مناصب الشغل، وحدّد عناوينها الرئيسة في اشكاليات الماء، والطاقة، والاستثمار الخاص.

وأبرز الدكتور جدري، في سياق حديثه، أن مشروع القانون المالي تشكل فيه الطبقة المتوسطة الحلقة الأضعف وذلك بالنظر لدورها الاستراتيجي في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والمجتمعي والتنمية المستدامة، لافتا أن ضربها يعني انهيار المنظومة المجتمعية لأنها تشكل في نظره رقما اساسيا في معادلة تخفيف الضغط الخدماتي على المرفق العمومي سيما المتعلق منه بالمستشفيات العمومية، والمدرسة العمومية، والنقل العمومي.

وفي حديثه عن الدولة الاجتماعية، اعتبر الأستاذ جدري أن الدولة تريد أن تنهيه في سنة 2026، مبرزا أن أركانها تقوم على ورش الحماية الاجتماعية، وكل ما يتعلق بالتعليم والصحة والتشغيل. وموازاة بذلك، اعتبر المتدخل، أن الاجراءات التي تعتمدها الحكومة لتجاوز الاكراهات وأعطاب التنمية كالقطاع غير المهيكل كانت جميعها متناقضة، وتفتقد لكثير من الاجراءات التقنية على أرض الميدان وهو ما يجعلنا يقول “لا نشعر بالثمار التي يتم انجازها”.

احمد البوز: الاختيارات الواردة في مشروع قانون المالية يجب أن تُقرأ انطلاقا من خمسة تحديات أساسية

اعتبر الدكتور احمد البوز استاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي بالرباط في مداخلته حول موضوع: “الأبعاد الاجتماعية في مشروع قانون المالية لسنة 2024″، ان النقاش حول مشروع قانون المالية يكتسي أهمية خاصة في الحقل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لجملة اعتبارات تاريخية، كما اعتبره من منظوره التحليلي، أهم وثيقة وأهم قانون موجود في كل بلدان العالم، مبرزا في سياق حديثه، أن هناك علاقة وطيدة بين التطور الديمقراطي والنقاش المالي والنقاش الضريبي.

وقارب الباحث الأكاديمي منظوره لإشكالية الأبعاد الاجتماعية في مشروع قانون المالية لسنة 2024″، انطلاقا من ثلاث نقاط أساسية، تتمثل المسألة الأولى في سؤال القول أن قانون المالية له أبعاد اجتماعية، بينما تتعلق المسالة الثانية، في البحث انطلاقا من سؤال سياسي في أهمية البعد الاجتماعي في قانون المالية، بينما حدد النقطة الثالثة، في عرضه في المسافة التي يعكسها البعد الاجتماعي في مشروع القانون.

واعتبر الأستاذ البوز في سياق عرضه، أن الهدف الرئيسي لهذا القانون تتمثل أولا في تحقيق سلم اجتماعي، وتحسين ثانياً، أوضاع الفئات الفقيرة والهشة والمحتاجة، مبرزا في هذا الخصوص، أن الاختيارات على أهميتها والواردة في المشروع يجب أن تُقرأ انطلاقا من خمسة تحديات أساسية وجب استحضارها، ويتمثل التحدي الأول في الإشكالية المتعلقة أو المتراكمة من التفعيل العملي للأوراش السابقة، في حين يرتبط الثاني بالموارد المالية المفترض تعبئتها من أجل تنزيل هذه الأوراش الاجتماعية، والثالث في تأطير الدعم العمومي للسجل الاجتماعي الموحد،.

اما التحدي الرابع يقول الدكتور البوز، “فإنه يتمثل في أن الجزء الكبير من الموارد اللازمة لتدبير النفقات يستخلص من الضرائب المباشرة وغير المباشرة”، في حين يرى أن التحدي الخامس، يتعلق بالدعم المباشر نفسه، لافتا أنه يمكن أن يكون مهما، الا أنه يطرح من وجهة نظره، تساؤلا يتعلق بالاختيارات المعتمدة في حد ذاتها، وفيما إذا كان المطلوب هو الرهان الكلي والأساسي على الدعم المباشر، أو الرهان على وضع سياسة قارة للتنمية تتجاوز هذه الحلول التي اعتبر أنها قد تبدو “ثانوية” وأحيانا، تبدو “ترقيعة”.

مداخل نقاش، فتح أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري عَبْر زواياها المتعددة مسالة الدولة الاجتماعية من خلال وقوفه على وضع الطبقة الوسطى كرافعة للتنمية والاستقرار، واثقال كاهلها بالضرائب إما من خلال الزيادة في نسب التضريب الموجودة، أو توسيع الوعاء الضريبي، وهو ما يشكل في نظره نوع من التناقض بين خطاب الدولة الاجتماعية والزيادة في الضريبة على القيمة المضافة، وشعار تطوير وتنمية الطبقة الوسطى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى