
كان الليل ينزل على معبر تراخال كستار كثيف والظلام يلتف حول الأسلاك الشائكة كأفعى معدنية تترصد كل عابر فجأة اخترق صمته صراخ أم مغربية تركض في سباق هستيري تحتضن بين ذراعيها رضيعاً يتنفس بصعوبة وكأن أنفاسه المتقطعة عدٌّ تنازلي نحو الفناء كانت خطواتها تصطدم بالأرض كطرقات على باب حياة موصود بينما الحدود تلوح كوحش صامت من حديد لا قلب له ولا ذاكرة ذلك المشهد لم يكن مجرد لحظة عابرة بل مرآة لمفارقة تاريخية وسياسية عارية: معبر يوصف بالحدود لكنه في الحقيقة “معبر وهمي” يفصل المغرب عن جزء من ترابه في سبتة ويحوّل الحياة اليومية لآلاف الأسر إلى مسرح دائم للمهانة والانتظار رضيع لم يُكمل شهره الأول وجد نفسه عالقاً بين الجغرافيا والسياسة يتنفس بصعوبة على بوابة لا تعترف بالرحمة فيما أم مذعورة تُمنع من العبور بسيارتها نحو المستشفى بذريعة بروتوكولات باردة لتُجبر على الركض في ممر ضيق يختلط فيه صدى خطواتها بصرخات الاستغاثة وسط هذه المأساة برز الوجه الإنساني النادر: رجال شرطة إسبان انتزعوا الطفل من الاختناق ونقلوه على وجه السرعة إلى المستشفى أحدهم في مشهد استثنائي تجاوز حدود واجبه المهني وعاد بعد انتهاء مناوبته ليتفقد مصير الرضيع لفتة تستحق التقدير لكنها لا تمحو المفارقة الكبرى: إنسانية استثنائية في قلب منظومة سياسية تقوم على النقيض تماما المأساة أعمق من مجرد بطولة آنية إنها صرخة بأن الحدود ليست مجرد خطوط على الخرائط بل جدار نفسي وسياسي يضاعف المآسي ويعيد إنتاجها كل يوم ملايين المغاربة في الشمال يحيون تحت وطأة هذا “المعبر الوهمي” حيث تتحول أي أزمة صحية أو إنسانية إلى اختبار قاسٍ للكرامة وحيث تصبح حياة الأبرياء مرهونة بإكراهات السيادة المؤجلة خلف الأسلاك الطفل الذي نجا سيكبر يوماً وقد يسمع أن حياته كانت على المحك فقط لأنه وُلد على الضفة المغربية ولأن معبر تراخال بدل أن يكون جسراً للتواصل تحول إلى رمز للاحتجاز والانكسار هذه الحكاية ليست مجرد درس في الامتنان بل سؤال مفتوح على المستقبل: ما معنى السيادة حين تتحول إلى قيود حديدية؟ وما معنى السياسة حين تعجز عن صون أبسط حق إنساني الحق في التنفس؟ ويبقى المشهد محفوراً في الذاكرة الجماعية: رضيع يختنق على أبواب المعبر أم تركض كمن يهرب من قدر محتوم وحدود صامتة تقف شاهدة على التناقض القاتل بين إنسانية اللحظة وقسوة الجغرافيا مشهد هت شكوكي لكنه ليس من سينما الخيال… بل من واقع دموي يعيشه المغاربة يوميا