
عند هطول أمطار الخير في بعض المدن المغربية الكبرى تتعرى البنية التحتية وتتجلى الهشاشة والفضيحة بأبشع صورها وتتكشف خدعة التنمية التي يروج لها أحيانا بعض مجالس المدن المنتخبة وهذه التعرية والفضيحة شبيهة بما وقع بالضبط مع إحدى الهيئات الناشرة الراغبة في الاستلاء على المجلس الوطني للصحافة عبر دعمها لمشروع قانون تمت صياغته على مقاسها حيث كل الصحف الورقية والإلكترونية التابعة لهذه الهيئة الناشرة انكشفت حقيقتها بالأمس وتعرت عورتها أمام احتجاجات شباب جيل Z الذين خرجوا يومي 27 و28 شتنبر 2025 للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية والمتمثلة أساسا في تجويد التعليم والصحة فلما هطلت شعارات وعبارات الشباب المحتج بفيض وغزارة وهي تشق بسيولها السلمية والعفوية جيوب شوارع وأزقة المدن المغربية وساحاتها العمومية في مشهد تاريخي عاينته وتأثرت به كافة شرائح المجتمع المغربي بمختلف مؤسساته السياسية والاجتماعية والحكومية والمدنية والمجتمعية باستثناء المقاولات الناشرة التي تصنف نفسها بالكبرى وطنيا التابعة لإحدى الجمعيات الناشرة المحسوبة على الصحافة الوطنية. والتي تدعي أنها هي الممثل الشرعي للإعلام الوطني وأن مهمتها هي تأطير المهنة من الدخلاء والمتطفلين بهدف تمكين الشعب المغربي من حقه في إعلام صادق وجاد ومسؤول وفي الوقت الذي كانت جميع المقاولات المتوسطة والصغرى تتقدم واجهة هذا الحدث الوطني لتغطية تفاصيله وتداعياته الاحتجاجية وتقريب المواطن والرأي العام من المطالب الاجتماعية المرفوعة من طرف هذه الفئة العريضة من الشباب المغربي الرافضة للأوضاع المزرية التي يعيشها قطاع الصحة والتعليم والقضاء بينما المقاولات الإعلامية الكبرى المدعية للمهنية والاحترافية والمصداقية وأنها في خدمة الشعب والصالح العام الوطني اختفت من الوجود خلال هذا الحدث الشبابي المشهود ولم يظهر لها أي أثر وكأنه اختفاء القطط يوم عيد الضحى على حد تعبير إحدى تدوينات منصات التواصل الاجتماعي والحقيقة المؤلمة وللأسف أن هذه الأحداث التنديدية السلمية لهؤلاء الشباب جاءت في موعدها لكشف النوايا المبيتة والمقاصد السيئة لهذا التنظيم الإعلامي الهجين في محاولة منه للالتفاف على الشرعية المهنية والاستلاء على الدعم العمومي للدولة وابتلاع المنح المخصصة للمجلس الوطني للصحافة والانقضاض على مشاريع الصحافة الرياضية وهي أموال تعد بملايير الدراهم تستنزف ميزانية الشعب المغربي باسم الإعلام الوطني كما أن هذه الأحداث العفوية الشبابية هي مناسبة مواتية للدولة لمراجعة علاقتها بما يسمى بالمقاولات الإعلامية الكبرى حيث فشلت صحف هذه الأخيرة الورقية منها والإلكترونية في مواكبة هذه الفئة الشابة الرقمية والوقوف على تطلعاتها وتأطيرها على مستوى التأثير الإعلامي ولاسيما وأن مقاولاتها تستنزف الدولة أموالا باهظة من أجل تشكيل الرأي العام وترسيخ المقاربة الإعلامية التفاعلية بالجدية والمسؤولية والاحترام المتبادل بين وسائل الإعلام والشعب وتحصين المشهد الإعلامي الوطني من الأجندات الخارجية والداخلية وهو ما يحيلنا على سؤال جدير بالطرح أين كانت هذه الصحف والمواقع الكبرى قبل جنوح هذه الفئة المراهقة الشابة إلى الاحتجاج والتنديد؟ وباعتبارها وسائل إعلامية وطنية كبرى خارقة مختصة في اختراق خصوصية الناس وانتهاك سرية الأشخاص فلماذا لم تستطع الاختراق والاطلاع مسبقا على أهداف ومطالب هذه الفئة الشابة قبل خروجها للشارع؟ فلربما هذا السبق في الإعلام لتشخيص واقع المجتمع والجدية في المسؤولية المهنية كان سيدفع الحكومة المغربية لاتخاذ التدابير المبكرة لهذه المطالب الاجتماعية الشبابية بعد عرضها في وسائل الإعلام قبل عرضها على الشارع العام فأي إعلام وأي إصلاح تنتظره الدولة من هذه المقاولات الإعلامية الكبرى؟ إن قمة التناقض والاستهتار والأفعال الدنيئة والمرفوضة هي دعوة المفسدين للإصلاح والإيمان بأقوال منافية للأفعال ونحن نقول لزعيم المصلحين والمعلمين إمبراطور نشر التفاهة ما قاله الشاعر أبي الأسود الدؤلي: “يا أيها الرجل المعلم غيره .. هلا لنفسك كان ذا التعليم” فالطبيب المدمن على التدخين ليس من الأخلاق أن يرشد أحدا بالإقلاع عن التدخين
- ذ/عبد الوافي حراق
- رئيس الكونفدرالية المغربية لناشري
- الصحف والاعلام الالكتروني