
في واحدة من أكبر الفضائح الأمنية التي عرفتها إسبانيا خلال السنوات الأخيرة كشفت عملية أطلقت عليها السلطات اسم “إنروكي مانسو بال” عن خيانة داخل جهاز الشرطة الوطنية بعدما تبين أن أحد كبار ضباطها كان يتعاون مباشرة مع شبكة دولية لتهريب المخدرات تنشط بين جزر البليار والبلقان الضابط المتهم ويدعى فاوستينو نوغالس كان يشغل منصب رئيس مجموعة مكافحة المخدرات الثانية في بالما دي مايوركا وسبق أن نال شهرة داخل المؤسسة الأمنية الإسبانية بصفته من أكثر الضباط “تشددًا” في مواجهة شبكات التهريب غير أن تحقيقات مطولة قادتها الشرطة الوطنية والحرس المدني كشفت الوجه الآخر للرجل: فقد كان يفاوض تجار المخدرات بنفسه حول أسعار الشحنات نيابةً عن زعيم المنظمة الإجرامية الصربي ستيفان ميلوييفيتش المعروف بصلاته الوثيقة بالمافيا الألبانية تضمنت وثائق القضية تسجيلات هاتفية صادمة بين الضابط الإسباني وأعضاء من الشبكةحسب ما اوردته صحيفة ( أوكي دياريو )الاسبانية حيث سُمع وهو يسأل أحد المتاجرين: “كيف الوضع في الأسعار؟” ليرد عليه الآخر: أحدهم بـ4.5 والآخر بـ5″ ليجيبه الضابط: غدًا سأتأكد إن كان بإمكانه أن يخفض السعر إلى 3.8″ في مشهدٍ يختزل انهيار أخلاقي داخل مؤسسة يفترض أن تحارب الجريمة لا أن تبرمجها الضابط نوغالس اعتُقل يوم 14 غشت الماضي وأُودع بدايةً في سجن بالما دي مايوركا في عزلة شبه تامة قبل أن يتم نقله إلى سجن إستريْميرا قرب مدريد حفاظًا على سلامته إذ يوجد هناك جناح خاص برجال الأمن المتورطين في قضايا فساد مصادر من داخل السجن أكدت أن الضابط يعاني من تدهور بدني ونفسي خطير بسبب ظروف الحبس الانفرادي ما يعكس حجم الصدمة داخل جهاز الشرطة الإسبانية من هذه الخيانة غير المسبوقة التحقيق الذي استمر أكثر من عامين أسفر عن تفكيك واحدة من أكبر شبكات المخدرات في البحر الأبيض المتوسط حيث تم توقيف 76 شخصًا ومصادرة أكثر من ثلاثة أطنان من المخدرات إضافة إلى 1.5 مليون يورو نقدا الملف الذي تصفه الصحافة الإسبانية بـ”الأكثر تعقيدًا في تاريخ الجريمة المنظمة الأوروبية” يؤكد أن المافيا الألبانية كانت تهيمن على أكثر من 50% من نقاط توزيع المخدرات في مايوركا وإيبيزا في تنسيق مباشر مع زعيم العصابة ميلوييفيتش الذي يقود فرعًا محليًا من تنظيم “ترايبونز يونيتد” المعروف بعلاقاته بشبكات تهريب دولية تمتد من البلقان إلى شمال إفريقيا القضية وإن بدت للوهلة الأولى شأنًا داخليًا إسبانيًا إلا أنها تُلقي الضوء مجددًا على الهشاشة الأمنية التي تعانيها بعض الأجهزة الإسبانية في مواجهة شبكات التهريب بل وتورط عناصر منها في دعمها وتأتي هذه الفضيحة لتؤكد أن مصدر الخطر الحقيقي على الأمن الإقليمي ليس في الجنوب كما تدّعي بعض الخطابات الإسبانية بل داخل المؤسسات الأمنية نفسها التي تحولت في بعض الحالات إلى جزء من منظومة التهريب التي تزدهر في الجزر والموانئ الإسبانية وفي وقتٍ تُحكم فيه المملكة المغربية سيطرتها على حدودها ومياهها الإقليمية وتواصل ضرب شبكات التهريب العابر للقارات تكشف هذه الفضيحة أن إسبانيا التي طالما نصبت نفسها حارسًا ضد “المخدرات القادمة من الجنوب” تواجه اليوم مخدراتها من الداخل ومن داخل بدلاتها الرسمية




