تحول في قيم الصحافة المغربية من عالم أخلاقيات المهنة والرسائل النبيلة الى عالم تجار السفاهة وسوق صحافة النخاسة

صحيفة صوت الحقيقة

الاستاذ // الوافي الحراق

كان كارل ماركس على حق حينما اعتبر أن صيرورة الحياة ونسقها الاجتماعي والسياسي والروحي يتحكم فيه أصحاب الأموال وأرباب الإنتاج وأصحاب الأصول المادية وبالفعل فالبنية الفوقية وفق مفهومه الفلسفي ما هي إلا انعكاس تحكمه أشعة القوة المادية المسيطرة حتى على إنتاج القيم والمبادئ والأخلاق والنظم الروحية وفي مقدمتها حقوق الإنسان والحريات العامة التي أضحت تعاني أكثر من أي وقت مضى من طغيان أصحاب النفوذ والسلطة وجبروت أرباب السوق والمال والأعمال الذين أخضعوا كل هذه القيم الإنسانية والتشريعات والقوانين والأخلاق لمنطق السوق والتجارة والمساومة تحت شعار  من يملك المال يملك السلطة والتشريع وهذا ما نعيشه هذه الأيام في الصحافة الوطنية حيث حاولت أغلب الهيئات المهنية اقتراح مشاريع قوانين لتعديل قانون المجلس الوطني للصحافة والنظام الأساسي للصحافيين المهنيين انطلاقا من الأسس الدستورية والنظم الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان لكنها فشلت واندحرت أمام القوة المادية وسلطة الإنتاج والمال، المستندة على السعي وراء تحقيق أرباح تفوق الرأسمال بأضعاف مضاعفة إذ لا مكان لحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير والأخلاق المهنية بل هذه القيم الإنسانية والمهنية هي نفسها أضحت سلعة قابلة للمساومة والتجارة في عالم الإنتاج والاقتصاد والمال والأعمال فبالأمس صادقت لجنة التعليم والثقافة والتواصل في البرلمان على مشروع يمكن توصيفه بالسابقة في السياسة المغربية إذ كنا أمام نكاح جديد بين السياسة والمال بعد أن كان هذا النكاح حكرا على السلطة (الحكومة) والمال حيث كان على البرلماني المنتخب من طرف الشعب الذي يفترض فيه أن يعكس إرادة المهنيين الأجراء أن يصوت لصالح الديمقراطية التمثيلية ويصادق على نظام الانتخابات عوض التصويت على نظام الانتدابات والتعيين وأن يقف إلى جانب البروليتاريا الإعلامية إلا أنه فضل الاصطفاف إلى جانب الطبقة الناشرة الأوليغارشية والتصويت لصالح النخبة الإعلامية الأرستقراطية وبذلك يكون هذا النائب البرلماني قد ساهم في تشريع عقد نكاح ثالث يبيح زواج الإعلام بالمال على غرار زواج السلطة والسياسة بالمال وهو ما يؤشر نتيجة هذه النكاحات الهجينة على ميلاد آليات ديمقراطية معاقة وحقوق وحريات هشة تجسد الطغيان البيروقراطي والاستبداد المهني إن مصادقة المجلس الحكومي والبرلمان على تمثيلية الناشرين داخل المجلس الوطني للصحافة عن طريق الانتداب وتحديد شروط اكتساب عضويتهم والمتمثلة في اعتماد نسبة رقم المعاملات السنوي ونسبة عدد المستخدمين المصرح بهم قد حددت بذلك سلفا تشكيلة المجلس الذي سينظم (سيحكم) الصحافة الوطنية حيث نصت المادة 45 على مجموعة من الحصص المتعلقة برقم المعاملات للحصول على أكبر عدد من تمثيلية فئة الناشرين والتي حصرت أدنى رقم المعاملة فيما بين 3 ملايين درهم إلى أقل من 9 ملايين درهم على أن الحاصل على أكبر حصص إضافية هو الذي يفوق رقم معاملته 9 ملايين درهم ويكون بذلك الفائز بأكثر عدد المقاعد داخل تمثيلية المجلس قد حدد سلفاونستنتج مما سبق ما يلي

أن الدولة تؤكد بشكل صريح على نيتها في ترسيخ المشهد الإعلامي ببلادنا بناء على سياسة رأس المال (مول الشكارة) واقتصاد الإعلام اللبرالي المتوحش (المقاولات الكبرى) الذي يعتمد على بربرية السوق وقسوة التجارة (القوي يأكل الضعيف) على حساب العدالة الاجتماعية والحقوق المهنية وحرية الصحافة وأخلاقيات المهنة مما سيؤدي لا محالة إلى تقوية مقاولات القروش الكبرى وإضعاف مقاولات الأسماك الصغرى وزيادة التفاوت المهني والاجتماعي في خدمات الإعلام الوطني، وموت الصحافة الجهوية.  أن مشروع هذا القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة رقم 26.25 ما هو إلا تحصيل حاصل وأن نتيجة تشكيلة أعضاءه محسومة سلفا بل حتى نتيجة التصويت عليه بالبرلمان كانت منتظرة ومحسومة وكانت شبه شكلية كذلك لأن الأغلبية قد حسمت أمرها حينما صادق المجلس الحكومي على المشروع القانونأن هذا المجلس الوطني للصحافة سيولد هجينا ومعاقا يجمع بين الانتخاب الضعيف والانتداب القوي والبيروقراطية المسيطرة والديمقراطية المحتشمة وبين المهني المحكوم بالأقلية الديمقراطية والباطرون الحاكم بالأغلبية الغير الدستوريةأن مهنة الصحافة لم تعد رسالة نبيلة ونشاط حقوقي بل تحولت إلى وسيلة للثراء ومهنة للتجارة والمساومة تخضع لمنطق السوق والربح وليس لمنطق حرية التعبير وأخلاقيات المهنةن هذه القوانين الإعلامية الهجينة ستنتج لا محالة وسائل ومؤسسات إعلامية هجينة قد ينقلب بعضها على الدولة وقد تتحول إلى منابر لابتزاز ميزانية الدولة للرفع من منسوب الريع والدعم العمومي مقابل ضمان محتوى ( قولوا العام زين )لاسيما وأن بعض أرباب هذه المقاولات الإعلامية لديهم سوابق في الانقلاب على الدولة سياسيا وإعلاميا وحتى على مستوى النظام ولهم سوابق عدلية في السلوك المدني والسياسي والأخلاقي والجنائي-        أن هذه الحكومة تحاول اليوم تغطية الشمس بالغربال من خلال الاعتماد على هذه المقاولات الإعلامية الهجينة في مواكبة التحديات الكبرى التي ستعرفها بلادنا وفي مقدمتها تنظيم كأس العالم في كرة القدم وهي تدرك جيدا أن أرباب هذه المقاولات ليس لهم أي شيء من المقومات المهنية والقواعد الأخلاقية والكفاءة العلمية ولا يستطيعون الاستثمار أو العيش إلا على ريع الدولة وبالتالي عندما تسطع حرارة شمس الحقيقة، سيحترق غربال الحكومة لا محالة وستنجلي فزاعة كأس العالم وتتكشف معها حقيقة وواقع هذه المؤسسات الهجينة وبعدها ستجد الدولة نفسها أمام تحول في قيم الصحافة المغربية من عالم أخلاقيات المهنة والرسائل النبيلة الى عالم تجار السفاهة وسوق صحافة النخاسة كما ستجد نفسها في مواجهة هذا النوع من الإعلام المبتز الذي يعيش على الريع ومنطق : “اعطيني .. أنا معاك ما تعطينيش..أنا ضدك”

لك الله يا صاحبة الجلالة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى